الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَذِبَ مَذْمُومٌ, وَفَاعِلُهُ مِنْ الْخَيْرِ مَحْرُومٌ . وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا . وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا هَلْ الْكَذِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُرَادُ بِهِ التَّوْرِيَةُ أَوْ مُطْلَقًا . فَرِوَايَةُ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِمَامِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَذِبِ ابْتِدَاءً.
وَرِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ , لَكِنَّ الْإِطْلَاقَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ . قَالَ الْحَجَّاوِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى . وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَعِيطٍ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ , أَوْ قَالَ بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ يُنَمِّي خَيْرًا " زَادَ مُسْلِمٌ قَالَتْ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبًا إلَّا فِي ثَلَاثٍ , يَعْنِي الْحَرْبَ , وَالْإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ , وَحَدِيثَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَحَدِيثَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا . وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبًا . وَذَكَرَهُ . وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: مَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ الْحَدِيثَ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا " كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ: رَجُلٌ كَذَبَ لِامْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا , أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ , أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا " وَفِي رِوَايَةٍ " لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ " وَهِيَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ . وَفِي أُخْرَى " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ " وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ . فَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ هُوَ أَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً . وَيَتَحَدَّثَ بِمَا يُقَوِّي أَصْحَابَهُ وَيَكِيدُ بِهِ عَدُوَّهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " الْحَرْبُ خُدْعَةٌ " وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا .
وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لِمَنْدُوحَةٍ مِنْ الْكَذِبِ " أَيْ فُسْحَةً وَسِعَةً يَعْنِي فِيهَا مَا يَسْتَغْنِي بِهِ الرَّجُلُ عَنْ الِاضْطِرَارِ إلَى الْكَذِبِ , وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ , كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي وَعَنَى فِي الدِّينِ , وَبِالسَّقْفِ وَعَنَى السَّمَاءَ , وَبِالْفِرَاشِ الْأَرْضَ , وَبِالْوَتَدِ الْجَبَلَ , وَبِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ , وَبِالنِّسَاءِ الْأَقَارِبَ وَبِالْبَارِيَةِ السِّكِّينَ الَّتِي تَبْرِي الْقَلَمَ , وَلَا بَأْسَ بِتَعَلُّمِهَا وَتَتَبُّعِهَا . قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْإِمَامُ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِمَا أَعْلَمُ مِنْ الْمَعَارِيضِ مِثْلَ أَهْلِي وَمَالِي . وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَهُمْ كَلَامٌ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إذَا خَشَوْا مِنْ شَيْءٍ يَرُدُّونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ . (تَنْبِيهٌ) خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْمَعَارِيضِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي مُحْتَجًّا بِهِ فَظَاهِرُهُ الثُّبُوتُ , وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هُوَ ثَابِتٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ . قَالَ: وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ . وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَعَارِيضِ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ . وَقَالَ فِي الْآدَابِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَذِبَ يَجُوزُ حَيْثُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ , وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَقْصُودٍ وَاجِبٍ إلَّا بِهِ وَجَبَ . وَحَيْثُ جَازَ فَالْأَوْلَى اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ .
(تَتِمَّةٌ) فِي بَعْضِ مَثَالِبِ الْكَذِبِ وَتَعْرِيفِهِ . أَمَّا تَعْرِيفُهُ فَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ , وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ , نَعَمْ التَّعَمُّدُ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ إثْمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ إنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْآدَابِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ بَلْ قَالَ فَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ لَا يُحَرَّمُ لِعَدَمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " فَظَاهِرُهَا يَأْثَمُ مَعَ عَدَمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ لَكِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْمَعُ الْكَذِبَ وَالصِّدْقَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَلِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ: هِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ . قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ , وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي بَلَغَ التَّوَاتُرَ " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " فَقَيَّدَهُ بِالْعَمْدِ . قِيلَ هُوَ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ , وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " يَلِجُ النَّارَ " . وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ شَرْطُ الْكَذِبِ الْعَمْدِيَّةُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا: يُعْتَبَرُ لِلصِّدْقِ الِاعْتِقَادُ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ , وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ طَابَقَ الْحُكْمَ الْخَارِجِيَّ فَصِدْقٌ وَإِلَّا فَكَذِبٌ . ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَخْبَرَ الْمَرْءُ عَنْ وُجُودِ شَيْءٍ يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ جَازَ , وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ أَوْ ظَنَّهُ لَمْ يَجُزْ , وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْإِخْبَارِ , وَسَوَاءٌ طَابَقَ الْخَارِجَ مَعَ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ أَوْ لَا , وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمَاضِي كَمَا فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ . قَالَ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إجْمَاعًا , وَمَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهِ فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ , وَمَا يَظُنُّهُ حَقًّا فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ . وَذَكَرَ فِي الْأَخِيرَيْنِ رِوَايَةً قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ وَحَلَفَ عَلَى خِلَافِ مَا يَظُنُّهُ فَطَابَقَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ صَادِقٌ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إقْدَامُهُ عَلَى الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَثَالِبُ الْكَذِبِ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ . فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اُصْدُقُوا إذَا حَدَّثْتُمْ , وَأَوْفُوا إذَا وَعَدْتُمْ , وَأَدُّوا إذَا اُؤْتُمِنْتُمْ , وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ , وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ , وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ " . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " تَقَبَّلُوا لِي سِتًّا أَتَقَبَّلُ لَكُمْ الْجَنَّةَ: إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبْ , وَإِذَا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفْ , وَإِذَا اُؤْتُمِنَ فَلَا يَخُنْ , غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ , وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ , وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ " . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضوان الله عليهما قَالَ: حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك , فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ " . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ": عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ , وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ , وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ , فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ , وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ , وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " . وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ , وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ " . وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعًا " أَلَا إنَّ الْكَذِبَ يُسَوِّدُ الْوَجْهَ . وَالنَّمِيمَةَ عَذَابُ الْقَبْرِ " . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَأَيْت اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي , قَالَ الَّذِي رَأَيْته يَشُقُّ شِدْقَيْهِ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ الْكِذْبَةَ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ " زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ " . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحَةِ وَالْمِرَاءِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا " . وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ الْمِزَاحَ وَالْكَذِبَ , وَيَدَعَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا " . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ سَمِعْت الْأَعْمَشَ قَالَ حَدَّثْت عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ " . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ خُلَّةٍ غَيْرِ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ " . وَصَحَّ عَنْ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَرُوِيَ مَرْفُوعًا " الْكَذِبُ يُجَانِبُ الْإِيمَانَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاك حَدِيثًا هُوَ لَك مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ " قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ شَيْخِهِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الصَّمْتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتَنِ مَا جَاءَ بِهِ " . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاللَّفْظُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَذِبِ , مَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً . وَلَفْظُ الْحَاكِمِ " مَا كَانَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَذِبِ . وَمَا جَرَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ قَلَّ فَيَخْرُجُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ تَوْبَةً " وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ , وَيْلٌ لَهُ , وَيْلٌ لَهُ " . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ " . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الشَّيْخُ الزَّانِي , وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ , وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ " الْعَائِلُ هُوَ الْفَقِيرُ , وَالْمَزْهُوُّ هُوَ الْمُعْجَبُ بِنَفْسِهِ الْمُتَكَبِّرُ . وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا , وَفِي رِوَايَةٍ إثْمًا , وَفِي رِوَايَةٍ بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . قَالَ فِي الْآدَابِ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ الْمُحَرَّمِ , فَلَا يَفْعَلُ لِيَجْتَنِبَ الْمُحَرَّمَ , فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ كَذِبًا . وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ الزَّجْرُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ , فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ . قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: مَنْ خَافَ الْكَذِبَ أَقَلَّ الْمَوَاعِيدَ . وَقَالُوا: أَمْرَانِ لَا يَسْلَمَانِ مِنْ الْكَذِبِ: كَثْرَةُ الْمَوَاعِيدِ , وَشِدَّةُ الِاعْتِذَارِ . وَقَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: طَافَ ابْنُ عُمَرَ سَبْعًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا أَسْرَعَ مَا طُفْت وَصَلَّيْت يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ مِنَّا طَوَافًا وَصِيَامًا وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ , نَحْنُ نَلْتَزِمُ صِدْقَ الْحَدِيثِ وَأَدَاءَ الْأَمَانَةِ وَإِنِجَازَ الْوَعْدِ . وَأَنْشَدَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ: أَصْدِقْ حَدِيثَك إنَّ فِي الصِّدْقِ الْخَلَاصَ مِنْ الْكَذِبِ وَقَالَ آخَرُ: وَدَعْ الْكَذُوبَ لِسَانُهُ خَيْرٌ مِنْ الْكَذِبِ الْخَرَسُ وَقَالَ آخَرُ: مَا أَقْبَحَ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ صَاحِبُهُ وَأَحْسَنَ الصِّدْقَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ و قَالَ آخَرُ: الصِّدْقُ أَوْلَى مَا بِهِ دَانَ الْفَتَى فَاجْعَلْهُ دَيْنًا وَدَعْ النِّفَاقَ فَمَا رَأَيْت مُنَافِقًا إلَّا مُهِينًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا تَسْتَقِيمُ أَمَانَةُ رَجُلٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ , وَلَا يَسْتَقِيمُ لِسَانُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ عُرِفَ بِالصِّدْقِ جَازَ كَذِبُهُ , وَمَنْ عُرِفَ بِالْكَذِبِ لَمْ يَجُزْ صِدْقُهُ . وَقَالُوا: الصِّدْقُ عِزٌّ , وَالْكَذِبُ خُضُوعٌ . وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ احْذَرْ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ شَهِيٌّ كَلَحْمِ الْعُصْفُورِ , مَنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (خَاتِمَةٌ) الْكَذِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَرَامٌ إلَّا فِيمَا تَقَدَّمَ , وَلَكِنَّهُ مِنْ الصَّغَائِرِ فِي الْمُعْتَمَدِ , مَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , أَوْ رَمَى بِفِتْنَةٍ فَكَبِيرَةٍ . وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي كِتَابِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْكَبَائِرِ إيضَاحًا تَامًّا . وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . وَيَحْرُمُ مِزْمَارٌ وَشِبَّابَةٌ وَمَا يُضَاهِيهِمَا مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ وَالرَّدِي (وَيَحْرُمُ) لِثُبُوتِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ (مِزْمَارٌ) وَهُوَ مَا يُزَمَّرُ بِهِ , يُقَالُ زَمَرَ يَزْمِرُ وَيُزَمِّرُ زَمْرًا وَزَمِيرًا وَزَمَّرَ تَزْمِيرًا غَنَّى فِي الْقَصَبِ , وَهِيَ زَامِرَةٌ وَهُوَ زَمَّارٌ وَزَامِرٌ قَلِيلٌ , وَفِعْلُهُمَا الزَّمَّارَةُ كَالْكِتَابَةِ , وَمَزَامِيرُ دَاوُدَ مَا كَانَ يَتَغَنَّى بِهِ مِنْ الزَّبُورِ وَضُرُوبِ الدُّعَاءِ , وَجَمْعُ مِزْمَارٍ وَمَزْمُورٍ وَالزَّمَّارَةُ كَجَبَّانَةٍ مَا يُزَمِّرُ بِهِ كَالْمِزْمَارِ , وَالْمِزْمَارُ مُؤَذِّنُ الشَّيْطَانِ وَصَوْتُهُ . فَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ لَمَّا أُهْبِطَ إبْلِيسُ قَالَ رَبِّ لَعَنَتْنِي فَمَا عَمَلِي؟ قَالَ السِّحْرُ , قَالَ فَمَا قُرْآنِي؟ قَالَ الشِّعْرُ , قَالَ فَمَا كِتَابِي؟ قَالَ الْوَشْمُ , قَالَ فَمَا طَعَامِي؟ قَالَ كُلُّ مَيْتَةٍ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ , قَالَ فَمَا شَرَابِي؟ قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ , قَالَ فَأَيْنَ مَسْكَنِي؟ قَالَ الْأَسْوَاقُ , قَالَ فَمَا صَوْتِي؟ قَالَ الْمَزَامِيرُ . قَالَ فَمَا مَصَائِدِي؟ قَالَ النِّسَاءُ . قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا وَقْفُهُ . وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ وَحِيَلِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ زعر عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ إبْلِيسَ لَمَّا أُنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ قَالَ يَا رَبِّ أَنْزَلْتنِي إلَى الْأَرْضِ وَجَعَلْتنِي رَجِيمًا فَاجْعَلْ لِي بَيْتًا , قَالَ الْحَمَّامُ , قَالَ فَاجْعَلْ لِي مَجْلِسًا , قَالَ الْأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقِ . قَالَ فَاجْعَلْ لِي طَعَامًا , قَالَ كُلُّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ , قَالَ فَاجْعَلْ لِي شَرَابًا , قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ , قَالَ فَاجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا , قَالَ الْمِزْمَارُ , قَالَ اجْعَلْ لِي قُرْآنًا , قَالَ الشِّعْرُ , قَالَ اجْعَلْ لِي كِتَابًا , قَالَ الْوَشْمُ , قَالَ اجْعَلْ لِي حَدِيثًا , قَالَ الْكَذِبُ , قَالَ اجْعَلْ لِي رُسُلًا , قَالَ الْكَهَنَةُ , قَالَ اجْعَلْ لِي مَصَائِدَ , قَالَ النِّسَاءُ " . قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَشَوَاهِدُ هَذَا الْأَثَرِ كَثِيرَةٌ , فَكُلُّ جُمْلَةٍ مِنْهُ لَهَا شَاهِدٌ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ قَالَ: وَكَوْنُ الْمِزْمَارِ مُؤَذِّنَهُ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ , فَإِنَّ الْغِنَاءَ قُرْآنُهُ , وَالرَّقْصَ وَالتَّصْفِيقَ اللَّذَيْنِ هُمَا الْمُكَاءُ وَالتَّصَدِّيَةُ صَلَاتُهُ , فَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ , فَالْمُؤَذِّنُ الْمِزْمَارُ , وَالْإِمَامُ الْمُغَنِّي , وَالْمَأْمُومُ الْحَاضِرُونَ . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه " قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى النَّخْلِ , فَإِذَا ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ , فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ , فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: تَبْكِي وَأَنْتَ تَنْهَى النَّاسَ؟ فَقَالَ إنِّي لَمْ أَنْهِ عَنْ الْبُكَاءِ وَإِنَّمَا نَهَيْت عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ , صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ , وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةٍ . وَهَذَا هُوَ رَحْمَةٌ , وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ . لَوْلَا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ أَوَّلَنَا لَحَزِنَّا عَلَيْك أَشَدَّ مِنْ هَذَا , وَإِنَّا بِك لَمَحْزُونُونَ . تَبْكِي الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " دَخَلَ علي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ , فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ دَعْهُمَا , فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزَتْهُمَا فَخَرَجَتَا " وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ الْغِنَاءِ مِزْمَارَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُمَا جَارِيَتَانِ غَيْرُ مُكَلَّفَتَيْنِ يُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ الْأَعْرَابِ فِي الَّذِي قِيلَ فِي يَوْمِ حَرْبِ بُعَاثٍ مِنْ الشُّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ , وَكَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ عِيدٍ . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكَبَارَاتِ " يَعْنِي الْبَرَابِطَ وَالْمَعَازِفَ وَالْأَوْثَانَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (شِبَّابَةٌ) وَهِيَ الْيَرَاعُ مِنْ جُمْلَةِ آلَاتِ اللَّهْوِ (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (مَا) أَيْ الَّذِي (يُضَاهِيهِمَا) أَيْ يُشَابِهُهُمَا وَيُمَاثِلُهُمَا مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ , يُقَالُ ضَاهَاهُ شَاكَلَهُ . وَنَبَّهَ النَّاظِمُ بِتَحْرِيمِ الْأَخَفِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَشَدِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى . قَالَ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: إذَا كَانَ الزَّمْرُ الَّذِي هُوَ أَخَفُّ آلَاتِ اللَّهْوِ حَرَامًا فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ . قَالَ وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ . وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الْفُسَّاقِ وَشَارِبِي الْخُمُورِ . وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه صَرِيحَةٌ بِتَحْرِيمِ الْمِزْمَارِ وَالشِّبَّابَةِ وَنَحْوِهِمَا (مِنْ) كُلِّ (آلَةُ اللَّهْوِ وَ) آلَةِ الْفِعْلِ (الرَّدِي) يَعْنِي الْحَرَامَ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَحْرُمُ كُلُّ مَلْهَاةٍ سِوَى الدُّفِّ كَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ وَرَبَابٍ وَجُنْكٍ . قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ: سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ لِحُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ . وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ النَّفْخِ فِي الْقَصَبَةِ كَالزَّمَّارَةِ قَالَ أَكْرَهُهُ . وَنَصَّ رضي الله عنه عَلَى كَسْرِ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِ إذَا رَآهَا مَكْشُوفَةً وَأَمْكَنَهُ كَسْرُهَا وَيَأْتِي فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ . فَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ آلَاتِ اللَّهْوِ إسْمَاعًا وَاسْتِمَاعًا وَصَنْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ . قَالَ النَّاظِمُ:
وَلَوْ لَمْ يُقَارِنْهَا غِنَاءٌ جَمِيعُهَا فَمِنْهَا ذَوُو الْأَوْتَارِ دُونَ تَقَيُّدٍ (وَلَوْ لَمْ يُقَارِنْهَا) أَيْ آلَاتِ اللَّهْوِ (غِنَاءٌ) بِالْمَدِّ كَكِسَاءٍ مَا طَرِبَهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْأَلْحَانِ فَتَحْرُمُ (جَمِيعُهَا) وَلَوْ مُفْرَدَةٌ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُفْرَدَةٌ بِنَفْسِهَا , قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي رَوْضِهِ: الْقِسْمُ الثَّانِي أَنَّهُ يغني بِبَعْضِ آلَاتِ الْغِنَاءِ بِمَا هُوَ مِنْ شِعَارِ شَارِبِي الْخُمُورِ وَهُوَ مُطْرِبٌ كَالطُّنْبُورِ وَالْعُودِ وَالصَّنْجِ وَسَائِرِ الْمَعَازِفِ وَالْأَوْتَارِ يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ . قَالَ وَفِي الْيَرَاعِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْبَغَوِيُّ التَّحْرِيمَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْغَزَالِيِّ الْجَوَازَ , قَالَ وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْيَرَاعِ وَهُوَ الشِّبَّابَةُ . وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّوْلَعِيُّ كِتَابًا فِي تَحْرِيمِ الْيَرَاعِ . وَقَدْ حَكَى أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ السَّمَاعِ الَّذِي جَمَعَ الدُّفَّ وَالشِّبَّابَةَ . فَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ: وَأَمَّا إبَاحَةُ هَذَا السَّمَاعِ تَحْلِيلُهُ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ الدُّفَّ وَالشِّبَّابَةَ وَالْغِنَاءَ إذَا اجْتَمَعَتْ فَاجْتِمَاعُ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ أَنَّهُ أَبَاحَ هَذَا السَّمَاعَ . وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا نُقِلَ فِي الشِّبَّابَةِ مُفْرَدَةً وَالدُّفِّ مُفْرَدًا . قَالَ فَمَنْ لَا يُحَصِّلُ أَوْ لَا يَتَأَمَّلُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ خِلَافًا بَيْنَ الشَّافِعِينَ فِي هَذَا السَّمَاعِ الْجَامِعِ هَذِهِ الْمَلَاهِيَ , وَذَلِكَ وَهْمٌ بَيِّنٌ مِنْ الصَّائِرِ إلَيْهِ تُنَادِي عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يستروح إلَيْهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ . وَمَنْ يَتَتَبَّعُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَوْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ تَزَنْدَقَ أَوْ كَادَ . انْتَهَى . وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَالْغَايَةِ حُرْمَةَ كُلِّ مُلْهَاةٍ سِوَى الدُّفِّ كَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ وَرَبَابٍ وَجُنْكٍ وَنَايٍ وَمِعْزَفَةٍ وجفانة وَعُودٍ وَزَمَّارَةِ الرَّاعِي وَنَحْوِهَا , سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ أَوْ لِمُرُورٍ , وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى (فَمِنْهَا) أَيْ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ يَعْنِي مِنْ أَنْوَاعِهَا وَأَقْسَامِهَا (ذَوُو) أَيْ أَصْحَابُ (الْأَوْتَارِ) جَمْعُ وَتَرٍ بِالتَّحْرِيكِ شَرَعَةُ الْقَوْسِ وَمُعَلَّقُهَا وَيُصْنَعُ لِلْعُودِ وَنَحْوِهِ فَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ (دُونَ تَقَيُّدٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ لِنَوْعٍ مِنْهَا بَلْ جَمِيعُهَا مُحَرَّمَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا . وَأَمَّا الطَّبْلُ فَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه لِغَيْرِ حَرْبٍ , وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ لِتَنْهِيضِ طِبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ وَكَشْفِ صُدُورِ الْأَعْدَاءِ . قَالَ وَلَيْسَ عَبَثًا فَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ الرِّيَاحَ وَالرُّعُودَ قَبْلَ الْغُيُوثِ , وَالنَّفْخُ فِي الصُّورِ لِلْبَعْثِ . وَشُرِعَ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ , وَفِي الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ , حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: أَكْرَهُ الطَّبْلَ وَهُوَ الْكُوبَةُ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الطَّبْلُ لَيْسَ فِيهِ رُخْصَةٌ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا فِيمَنْ أَتْلَفَ آلَةَ لَهْوٍ: الدُّفُّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ الْعُودِ وَالطَّبْلِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ وَالتَّلَهِّي بِهِ بِحَالٍ . وَفِي الْإِنْصَافِ فِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ . وَقَدَمَ فِي , الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْكَرَاهَةَ . وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ إلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ وَنَحْوِهِ . وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ. انْتَهَى . قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: قَوْلُهُ وَفِي الْقَضِيبِ وَجْهَانِ انْتَهَى . يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالْقَضِيبِ أَمْ لَا , أَحَدُهُمَا لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ , وَبِهِ قَطَعَ فِي آدَابِ الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْرُمُ وَهُوَ الصَّوَابُ , وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ انْتَهَى . وَفِي غُنْيَةِ سَيِّدِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: يُكْرَهُ تَخْرِيقُ الثِّيَابِ لِلْمُتَوَاجِدِ عِنْدَ السَّمَاعِ , وَيَجُوزُ سَمَاعُ الْقَوْلِ بِالْقَضِيبِ وَيُكْرَهُ الرَّقْصُ . انْتَهَى . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَاضِيَ عَلَاءَ الدِّينِ صَوَّبَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ التَّحْرِيمَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . (تَنْبِيهٌ) كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ التَّغْبِيرَ وَنَهَى عَنْ اسْتِمَاعِهِ وَقَالَ بِدْعَةٌ وَمُحْدَثٌ . وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ لَا يُعْجِبُنِي . وَنَقَلَ يُوسُفُ لَا يَسْتَمِعُهُ , قِيلَ هُوَ بِدْعَةٌ؟ قَالَ حَسْبُك . وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ مَنَعَ إطْلَاقَ اسْمِ الْبِدْعَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ شِعْرٌ مُلَحَّنٌ كَالْحُدَاءِ وَالْحَدْوِ لِلْإِبِلِ وَنَحْوِهِ . الْحَدْوُ سَوْقُ الْإِبِلِ وَالْغِنَاءُ لَهَا . وَقَدْ حَدَوْت الْإِبِلَ حَدْوًا وَاحِدًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ إذَا سَاقَهَا وَزَجَرَهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَفِيهِ أَيْضًا الْمُغَبِّرُونَ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يُهَلِّلُونَ وَيُرَدِّدُونَ الصَّوْتَ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا , سُمُّوا بِهَا لِأَنَّهُمْ يُرَغِّبُونَ النَّاسَ فِي الْغَابِرَةِ أَيْ الْبَاقِيَةِ . انْتَهَى . وَقَالَ الصَّغَانِيُّ فِي كِتَابِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْمُغَبِّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ كَمَا قَالَ: عِبَادُك الْمُغَبِّرَةُ رُشَّ عَلَيْنَا الْمَغْفِرَةُ . وَقَدْ سَمَّوْا مَا يُطْرِبُونَ فِيهِ مِنْ الشِّعْرِ تَغْبِيرًا لِأَنَّهُمْ إذَا تَنَاشَدُوهُ بِالْأَلْحَانِ طَرِبُوا فَرَقَصُوا وَأَهْزَجُوا فَسُمُّوا الْمُغَبِّرَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى . وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: التَّغْبِيرُ تَهْلِيلٌ أَوْ تَرْدِيدُ صَوْتٍ يُرَدَّدُ بِقِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَرَى الزَّنَادِقَةَ وَضَعُوا هَذَا التَّغْبِيرَ لِيَصُدُّوا النَّاسَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مُغَبِّرِينَ لِتَزْهِيدِهِمْ النَّاسَ فِي الْفَانِيَةِ وَهِيَ الدُّنْيَا وَتَرْغِيبِهِمْ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْغَابِرَةُ الْبَاقِيَةُ. انْتَهَى .
الْأَكْثَرُونَ قَضَوْا بِهِ وَعَنْ أَبَوَيْ بَكْرٍ إمَامٍ وَمُقَتَّدٍ (وَحَظْرُ) أَيْ مُنِعَ (الْغِنَاءُ) بِالْمَدِّ (الْأَكْثَرُونَ) مِنْ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ , وَمُرَادُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا (قَضَوْا) أَيْ حَكَمُوا (بِهِ) أَيْ بِحَظْرِهِ وَحُرْمَتِهِ لِأَنَّهُ يُنْبِتُ فِي الْقَلْبِ النِّفَاقَ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ رضي الله عنهما: سَأَلْت أَبِي عَنْ الْغِنَاءِ فَقَالَ الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ , وَقَالَ لَا يُعْجِبُنِي . ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ سَمِعْت يَحْيَى الْقَطَّانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ , وَقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ , وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ لَكَانَ فَاسِقًا . وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيِمِيُّ: لَوْ أَخَذْت بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ وَزَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيك الشَّرُّ كُلُّهُ . قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: خَلَفْت بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنْ الْقُرْآنِ . فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي التَّغْبِيرِ وَتَعْلِيلِهِ لَهُ أَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ شِعْرٌ مُزْهِدٌ فِي الدُّنْيَا يُغْنِي بِهِ مُغَنٍّ وَيَضْرِبُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِقَضِيبٍ عَلَى نِطْعٍ أَوْ حَجَرَةٍ عَلَى تَوْقِيعِ غِنَاءٍ , فَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَقُولُ فِي سَمَاعِ التَّغْبِيرِ عِنْدَهُ كَتَفْلَةٍ فِي بَحْرٍ - قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ مَفْسَدَةٍ وَجَمَعَ كُلَّ مُحَرَّمٍ . فَاَللَّهُ بَيَّنَ دِينَهُ , وَبَيَّنَ كُلَّ مُتَعَلِّمٍ مَفْتُونٍ , وَعَابِدٍ جَاهِلٍ . قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ يُقَالُ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ , وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ فَإِنِّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ . وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَعْبٍ الْمَرُّوزِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ , وَالذِّكْرُ يُنْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ . قَالَ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ . وَقَدْ روي مَرْفُوعًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْمَلَاهِي وَلَفْظُهُ بَعْدَ سِيَاقِ السَّنَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ " و الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ . قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: السَّمَاعُ يُورِثُ النِّفَاقَ فِي قَوْمٍ , وَالْخَنَا فِي قَوْمٍ , وَالْكَذِبَ فِي قَوْمٍ , وَالْفُجُورَ فِي قَوْمٍ , وَالرُّعُونَةَ فِي قَوْمٍ , وَأَكْثَرُ مَا يُورِثُ عِشْقَ الصُّوَرِ وَاسْتِحْسَانَ الْفَوَاحِشِ , وَإِدْمَانُهُ يُثْقِلُ الْقُرْآنَ عَلَى الْقَلْبِ وَيُكْرِهُهُ إلَى اسْتِمَاعِهِ بِالْخَاصَّةِ , وَهَذَا عَيْنُ النِّفَاقِ بِالِاتِّفَاقِ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغِنَاءَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ قُرْآنِ الرَّحْمَنِ فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ أَبَدًا , وَلِهَذَا كَانَ الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ . وَأَيْضًا أَسَاسُ النِّفَاقِ أَنْ يُخَالِفَ الظَّاهِرُ الْبَاطِنَ , وَهَذَا الْمُسْتَمِعُ الْغِنَاءَ لَا يَخْلُو أَنْ يَنْتَهِك الْمَحَارِمَ فَيَكُونُ فَاجِرًا أَوْ يُظْهِرُ النُّسُكَ وَالْعِبَادَةَ فَيَكُونُ مُنَافِقًا فَإِنَّهُ مَتَى أَظْهَرَ الرَّغْبَةَ فِي اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَقَلْبُهُ يَغْلِي بِالشَّهَوَاتِ وَيَلْذَعُ بِنَغَمَاتِ الْآلَاتِ وَمَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَصْوَاتِ الْمَعَازِفِ وَمَا يَدْعُو إلَيْهِ الْغِنَاءُ وَبَهِيجُهُ مِنْ قَلْبِهِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نِفَاقًا , فَإِنَّ هَذَا مَحْضُ النِّفَاقِ . وَقَدْ كَتَبَ الْإِمَامُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه لِمُؤَدِّبِ وَلَدِهِ: لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَدَبِك بُغْضَ الْمَلَاهِي الَّتِي بَدْوُهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَعَاقِبَتُهَا سَخَطُ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَوْتَ الْمَعَازِفِ وَاسْتِمَاعَ الْأَغَانِي وَاللَّهَجَ بِهَا يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبُتُ الْعُشْبُ عَلَى الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ . قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا: قَالَ جَمَاعَةٌ: يَحْرُمُ الْغِنَاءُ . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّاظِمُ . قَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي وَقَالَ فِي الْوَصِيِّ يَبِيعُ أَمَةَ الصَّبِيِّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُغَنِّيَةٍ وَعَلَى أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ بِالْأَلْحَانِ . (وَعَنْ) الْإِمَامَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ (أَبَوَيْ بَكْرٍ إمَامٍ) بَدَلٌ مِنْ أَبَوَيْ بَكْرٍ وَأَرَادَ بِهِ الْإِمَامَ الْأَوْحَدَ وَالْهُمَامَ الْأَمْجَدَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ هَارُونَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ , لَهُ التَّصَانِيفُ الدَّائِرَةُ , وَالْكُتُبُ السَّائِرَةُ , وَالنَّظَرُ النَّاقِدُ , وَالْخَاطِرُ الْوَاقِدُ , فَمِنْ تَصَانِيفِهِ الْجَامِعُ الَّذِي دَارَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ حَتَّى جَمَعَهُ , وَالْعِلَلِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْعِلْمِ , وَالطَّبَقَاتِ , وَتَفْسِيرِ الْغَرِيبِ , وَالْأَدَبِ , وَأَخْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَغَيْرِ ذَلِكَ . سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ وَسَعْدَانَ بْنَ نَصْرٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَوْفٍ الْحِمْصِيَّ وَطَبَقَتَهُمْ , وَصَحِبَ أَبَا بَكْرٍ الْمَرُّوذِيَّ إلَى أَنْ مَاتَ , وَسَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وعنهم , مِنْهُمْ غَيْرُ الْمَرُّوذِيِّ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا الْإِمَامِ رضي الله عنهما , وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ , وَالْمَيْمُونِيُّ , وَبَدْرٌ الْمَغَازِلِيُّ , وَأَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ , وَحَنْبَلٌ , وَحَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ , وَأَبُو زُرْعَةَ , وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ , سَمِعَ مِنْهُمْ مَسَائِلَ الْأَمَامِ أَحْمَدَ , وَرَحَلَ إلَى أَقَاصِي الْبِلَادِ فِي جَمْعِهَا وَسَمَاعِهَا مِمَّنْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ , وَمِمَّنْ سَمِعَهَا مِمَّنْ سَمِعَهَا مِنْهُ , شَهِدَ لَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ بِالْفَضْلِ وَالتَّقَدُّمِ , حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ , مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ , وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الصَّيْرَفِيُّ , وَخَلْقٌ كَثِيرٌ , وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ الْمَهْدِيِّ . تُوُفِّيَ رضي الله عنه يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ إحْدَى عَشَرَ وَثَلَاثِمِائَةٍ , وَدُفِنَ إلَى جَنْبِ قَبْرِ الْمَرُّوذِيِّ عِنْدَ رِجْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنهما . (وَمُقْتَدٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى إمَامٍ أَيْ تَابِعٍ وَمُقَلِّدٍ وَحَذَا حَذْوَ مَتْبُوعِهِ , وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزْدَادَ بْنِ مَعْرُوفٍ الْمَعْرُوفُ بِغُلَامِ الْخَلَّالِ , حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ , وَمُوسَى بْنِ هَارُونَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْوَصِيفِيِّ , وَأَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ الْبَصْرِيِّ , وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيِّ , وَأَبِي قَاسِمٍ الْبَغَوِيِّ , وَآخَرِينَ , وَأَخَذَ عَنْهُ عَالَمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ , مِنْهُمْ ابْنُ شَاقِلَّا , وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ , وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ التَّمِيمِيِّ , وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ , وَالْعُكْبَرِيُّ , وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ . كَانَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَحَدَ أَهْلِ الْفَهْمِ مَوْثُوقًا بِهِ فِي الْعِلْمِ , مُتَّسِعَ الرِّوَايَةِ , مَتِينَ الدِّرَايَةِ , مَشْهُورًا بِالدِّيَانَةِ , مَوْصُوفًا بِالْأَمَانَةِ , مَذْكُورًا بِالْعِبَادَةِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ , لَهُ الْمُصَنَّفَاتُ فِي الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَاتِ , كَالشَّافِي , وَالْمُقْنِعِ , وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ , وَالْخِلَافِ مَعَ الشَّافِعِيِّ , وَكِتَابِ الْقَوْلَيْنِ , وَزَادِ الْمُسَافِرِ وَالتَّنْبِيهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى , وَوَصَفَهُ بِالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْبَرَاعَةِ , وَكَانَ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ . رُوِيَ أَنَّ رَافِضِيًّا سَأَلَهُ عَنْ قوله تعالى وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ إنَّمَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللِّسَانِ . فَدَلَّ عَلَى عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يُقَابِلْ السَّائِلَ عَلَى جَفَائِهِ وَعَدَلَ إلَى الْعِلْمِ , وَهَذَا دَأْبُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ . تُوُفِّيَ رضي الله عنه يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ . رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا عِنْدَكُمْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ فِي عِلَّتِهِ , فَقِيلَ لَهُ يُعَافِيك اللَّهُ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ فَقَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْخَلَّالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْمَرُّوذِيَّ يَقُولُ: عَاشَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ ثَمَانِيًا وَسَبْعِينَ سَنَةً , وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَدُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ , وَعَاشَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ثَمَانِيًا وَسَبْعِينَ سَنَةً , وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَدُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ , وَأَنَا عِنْدَكُمْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ , وَلِي ثَمَانٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَاتَ وَدُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ , وَهُوَ مِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ , وَنَظِيرُهُ سَيِّدُ الْعَالَمِ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَأَبُو بَكْرٍ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَعُمَرُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَعَلِيٌّ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَهَذَا مِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ . فَهَذَانِ الْإِمَامَانِ اللَّذَانِ هُمَا الْخَلَّالُ وَغُلَامُهُ يُرْوَى عَنْهُمَا . قَالَ النَّاظِمُ:
فَمَنْ يَسْتَتِرْ فِي بَيْتِهِ لِسَمَاعِهِ الْغِنَاءَ وَلَمْ يُكْثِرْ وَلَمْ يُتَزَيَّدْ وَغَنَّى يَسِيرًا فِي خَفَاءٍ لِنَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ وَاقْبَلْ إنْ يُرَجِّعْ وينشد (فَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (مَنْ يَسْتَتِرْ) . مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فِي بَيْتِهِ) أَوْ غَيْرِ بَيْتِهِ لِأَجْلِ (سَمَاعِهِ) أَيْ الْمُسْتَتِرِ (الْغِنَاءَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَمْدُودًا (وَلَمْ يُكْثِرْ) مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَزَيَّدْ مِنْهُ (وَ) لَمْ يَقْتَرِنْ بِآلَةِ لَهْوٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُغَنِّي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لِحُرْمَةِ التَّلَذُّذِ بِصَوْتِهَا بَلْ (غَنَّى) غِنَاءً (يَسِيرًا) غَيْرَ كَثِيرٍ , فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ , لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ . وَأَمَّا إنْ غَنَّى يَسِيرًا (فِي) حَالِ (خَفَاءٍ لِنَفْسِهِ) قُلْت أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ صِنَاعَةً وَلَمْ يُدَاوِمْهُ عَلَى مَا مَرَّ (فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِنَغْمَةٍ طَيِّبَةٍ فَلَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى قَالَ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ: أَسْمِعْنِي بَعْضَ مَا عَفَا اللَّهُ لَك عَنْهُ مِنْ هنيهاتك , فَأَسْمَعَهُ كَلِمَةً لَهُ يَعْنِي قَصِيدَةً فَقَالَ لَهُ وَإِنَّك لَقَائِلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَطَالَ مَا غَنَّيْت بِهَا خَلْفَ جِمَالِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: أَتَيْت بَابَ عُمَرَ رضي الله عنه فَسَمِعْته يُغَنِّي بالركبانية: فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَيْنَمَا قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ وَكَانَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ مِنْ أخصاء عُمَرَ رضي الله عنه . قَالَ فَلَمَّا اسْتَأْذَنْت عَلَيْهِ قَالَ أَسَمِعْت مَا قُلْت؟ قُلْت نَعَمْ , قَالَ إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ . وَهَلْ اسْتِحْسَانُ الشِّعْرِ إلَّا لِكَوْنِهِ مَوْزُونًا مُتَنَاسِبًا مَمْدُودَ الصَّوْتِ وَالدَّنْدَنَةِ , وَإِلَّا لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَنْظُومِ وَالْمَنْثُورِ . وَقَدْ سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما الْغِنَاءَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ . فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم . (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) جَزَمَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ بِحُرْمَةِ الْغِنَاءِ , وَقَالَ إنَّهُ مِنْ مكائد الشَّيْطَانِ ومصائده الَّتِي كَادَ بِهَا مَنْ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ , وَصَادَ بِهَا قُلُوبَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُبْطِلِينَ , وَقَالَ إنَّهُ الْمُكَاءُ وَالتَّصَدِّيَةُ . وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ اقْتَرَنَ بِآلَةِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ , بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مِنْ مكائد الشَّيْطَانِ الْغِنَاءُ بِالْآلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَصُدُّ الْقُلُوبَ عَنْ الْقُرْآنِ , وَتَجْعَلُهَا عَاكِفَةً عَلَى الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ , فَهُوَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ , وَالْحِجَابُ الْكَثِيفُ عَنْ الرَّحْمَنِ , وَهُوَ رُقْيَةُ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا . وَبِهِ يَنَالُ الْعَاشِقُ الْفَاسِقُ غَايَةَ الْمُنَى , فَلَوْ رَأَيْتهمْ عِنْدَ ذياك السَّمَاعِ وَقَدْ خَشَعَتْ مِنْهُمْ الْأَصْوَاتُ , وَهَدَأَتْ مِنْهُمْ الْحَرَكَاتُ , وَعَكَفَتْ قُلُوبُهُمْ بِكُلِّيَّتِهَا عَلَيْهِ , وَانْصَبَّتْ انصبابة وَاحِدَةً إلَيْهِ , لَرَأَيْت أَمْرًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ , وَيَتَعَدَّى الشَّرَائِعَ وَالْحُدُودَ . فَلِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ لِلشَّيْطَانِ قُلُوبٌ هُنَاكَ تُمَزَّقُ , وَأَثْوَابٌ تُشَقَّقُ , وَأَمْوَالٌ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْفَقُ , حَتَّى إذَا عَمِلَ السُّكْرُ فِيهِمْ عَمَلَهُ , وَبَلَغَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ أَمَلَهُ , وَاسْتَفَزَّهُمْ بِصَوْتِهِ وَحِيَلِهِ , وَأَجْلَبَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ , وَخَزَ فِي صُدُورِهِمْ وَخْزًا . وَأَزَّهُمْ إلَى ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْأَقْدَامِ أَزًّا . فَطَوْرًا يَجْعَلُهُمْ كَالْحَمِيرِ حَوْلَ الْمَدَارِ , وَتَارَةً كَالذُّبَابِ يَرْقُصُ وَسَطَ الدَّارِ . فَيَا شَمَاتَةَ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ بِاَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ خَوَاصُّ الْأَنَامِ , قَضَوْا حَيَاتَهُمْ لَذَّةً وَطَرَبًا , وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا . مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ اسْتِمَاعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ . فَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمْ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمَا حَرَّكَ لَهُ سَاكِنًا , وَلَا أَزْعَجَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا , وَلَا أَثَارَ فِيهِمْ وَجْدًا , وَلَا قَدَحَ فِيهِمْ مِنْ لَوَاعِجِ الشَّوْقِ إلَى اللَّهِ زَنْدًا , حَتَّى إذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ , وَوَلَجَ مَزْمُورُهُ أَسْمَاعَهُمْ , فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْوَجْدِ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَجَرَتْ , وَعَلَى أَقْدَامِهِمْ فَرَقَصَتْ , وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَصَفَّقَتْ , وَعَلَى بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِمْ فَاهْتَزَّتْ وَطَرِبَتْ , وَعَلَى أَنْفَاسِهِمْ فَتَصَاعَدَتْ , وَعَلَى زَفَرَاتِهِمْ فَتَزَايَدَتْ . فَيَا أَيُّهَا الْفَاتِنُ الْمَفْتُونُ , الْبَائِعُ حَظَّهُ مِنْ اللَّهِ بِصَفْقَةِ خَاسِرٍ مَغْبُونٍ , هَلَّا كَانَ هَذَا الِامْتِحَانُ , عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ , وَهَذِهِ الْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ , عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ , وَلَكِنْ كُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إلَى مَا يُنَاسِبُهُ , وَيَمِيلُ إلَى مَا يُشَاكِلُهُ وَيُقَارِبُهُ , وَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ قَدْرًا وَشَرْعًا , وَالشَّكْلُ سَبَبُ الْمَيْلِ عَقْلًا وَطَبْعًا . فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِخَاءُ وَالنَّسَبُ , لَوْلَا الْعَلَقُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِأَقْوَى سَبَبٍ؟ وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْ فِي عَقْدِ الْإِيمَانِ وَعَهْدِ الرَّحْمَنِ خَلَلًا لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} وَقَالَ آخَرُ: بَرِئْنَا إلَى اللَّهِ مِنْ مَعْشَرٍ بِهِمْ مَرَضٌ مِنْ سَمَاعِ الْغِنَا فَكَمْ قُلْت يَا قَوْمُ أَنْتُمْ عَلَى شَفَا جُرُفٍ مَا بِهِ مِنْ بِنَا شَفَا جُرُفٍ تَحْتَهُ هُوَّةٌ إلَى دَرَكٍ كَمْ بِهِ مِنْ عَنَا وَتَكْرَارُ ذَا النُّصْحِ مِنَّا لَهُمْ لِنُعْذَرَ فِيهِمْ إلَى رَبِّنَا فَلَمَّا اسْتَهَانُوا بِتَنْبِيهِنَا رَجَعْنَا إلَى اللَّهِ فِي أَمْرِنَا فَعِشْنَا عَلَى سُنَّةِ الْمُصْطَفَى وَمَاتُوا عَلَى مرتنا بَيِّنَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِهِ تَحْرِيمِ السَّمَاعِ: قَدْ بَلَغَنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ , اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ وَاسْتَغْوَى عُقُولَهُمْ فِي حُبِّ الْأَغَانِي وَاللَّهْوِ وَسَمَاعِ الطَّقْطَقَةِ وَالتَّغْبِيرِ , فَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلَى اللَّهِ , وَجَاهَرَتْ بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ , وَشَاقَّتْ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَفَتْ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ وَحَمَلَةَ الدِّينِ قَالَ وَأَبْدَأُ بِذِكْرِ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ تَدُورُ الْفُتْيَا عَلَيْهِمْ فِي أَقَاصِي الْأَرْضِ وَدَانِيهَا , حَتَّى تَعْلَمَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَنَّهَا قَدْ خَالَفَتْ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِدْعَتِهَا وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ . ثُمَّ قَالَ:
|